top of page

قراءة نقدية لنص / بستات جدي/ للشاعرة انعام كمونه/ بقلم الناقدة فاطمة عبدالله

Mar 12

4 min read

1

3

0


قراءة نقدية( Critical Analysis)

البناء الفني والتوظيف الفلكلوري في ’'بستاتُ جدي'‘ لإنعام كمونة: مقاربة نقدية في الشعرية والهوية .

"يقول رولان بارت: "النص نسيج من الاقتباسات، مستمد من ثقافات متعددة ومتشابك مع أصوات الماضي." ينطبق هذا المفهوم بوضوح على نص "بستاتُ جدي" لإنعام كمونة حيث يتداخل الشعر مع التراث واللغة مع الذاكرة لينسج عملاً أدبياً مشبعًا بالرمزية والتاريخ. من خلال استدعاء الجدّ كشخصية محورية لا يقتصر النص على كونه تأملاً فرديا بل يمتد إلى مستوى جماعي يعكس العلاقة بين الإنسان والمكان بين الزمن والهوية.

في هذه القراءة سوف أحلل البناء الفني واللغوي

الأسلوب والصور البلاغية

تعتمد الاديبة إنعام كمونة على التكثيف اللغوي والاستعارات المتراكبة ، مما يخلق طابعاً بصرياً وحسيًا للنص و يجعله قريباً من مفهوم "الشعرية" كما حددها الناقد الروسي رومان ياكوبسون (Roman Jakobson) عندما قال:

"وظيفة الشعر ليست فقط في نقل المعلومات، بل في إبراز اللغة ذاتها كموضوع جمالي مستقل."

هذه الفكرة تتجلى بوضوح في نص "بستاتُ جدي"، حيث تصبح اللغة بحد ذاتها عنصراً جمالياً مستقلاً وليس مجرد وسيلة للتواصل. النص يعيد تشكيل المفردات اليومية بلغة مشبعة بالرمزية، كما في قوله:

"يحرث بساتين أحلامه بأمشاط ضلوعه".

هذا الاستخدام يُجرد الواقع ويعيد تشكيله داخل بُنية مجازية مما يعزز الطابع الشعري.

كذلك، هناك إيقاع داخلي يتجلى في التكرار والتضاد:

التكرار: يتكرر ذكر الجد ورموزه المختلفة (الزيتونة، البندقية، الحنطة، الدخان...) مما يرسّخ حضوره الرمزي.

التضاد: يتجلى في تعابير مثل "يشعل سيكارة همومه بذات حلم يحترق", حيث يقترن الاشتعال بالحلم ما يرمز إلى التضاد بين الأمل والانطفاء


. (التناص)intertextuality

يحفل النص بتناصات واضحة مع الفلكلور العراقي لا سيما في اقتباسه لأغنية "دللول يا الوطن يابني دللول.. عدوك بالمهد معلول". هذا الاستدعاء يربط الماضي بالحاضر ويضع الجد في سياق وطني أوسع حيث يصبح الوطن طفلاً يحتاج إلى التهدئة وهو إسقاط سياسي واجتماعي في آنٍ واحد.


الرمزية والتوظيف الفلكلوري

تستخدم الأديبة رموزاً متكررة مثل:

"الزيتونة": ترمز إلى الأصالة والتجذر.

"الغليون" و"الدخان": يمثلان التأمل والحكمة المتآكلة بمرور الزمن.

"البندقية": ليست مجرد سلاح، بل رمز للهوية والدفاع عن الأرض.

"الحنطة": تحضر كدلالة على الاستمرار والخصب، مقابل هشيم العمود الفقري الذي يعكس التضحية والفناء.


الحضور والغياب – جدلية الوجود والعدم .

النص يطرح ثنائية الحضور والغياب حيث الجد حاضر في الذاكرة رغم غيابه الجسدي. هذه الفكرة تتقاطع مع رؤية الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر (Jean-Paul Sartre) حول الوجود عندما قال:

"إن الإنسان لا يُعرَّف فقط بما هو عليه، بل أيضاً بما يفتقده."

بهذا المنظور، فإن شخصية الجد ليست مجرد ذكرى، بل هي حالة من الغياب الذي يترك أثراً ملموساً. فالنص لا يكتفي بسرد ماضي الجد، بل يجعله كياناً حاضراً في الذاكرة الجماعية وكأن وجوده مستمر رغم الزمن.

ينتقل النص بين استحضار الجد وحضوره القوي في الذاكرة وبين إدراك غيابه المادي مما يولد إحساساً بالفقد الحتمي. على سبيل المثال، تقول الأديبة :

"حين تهز زيتونة جدي جذوع ذاكرتها الموشومة بحنّة أيامه، يتساقط علينا رطب عمر محدودب الصبا".

هذه الجملة تمثل تجسيداً شعرياً للزمن، حيث يصبح العمر ثمراً متساقطاً أي أن الذكريات تغدق على الأحفاد لكنها تحمل ثقل الشيخوخة.

البعد السياسي والوطني

يتجلى في النص البعد الوطني من خلال صورة الجد الذي يغرس "حنطة الحنين على أكتاف دجلة"، مما يجعله أشبه بالشخصية البطولية المقاومة للزوال. هذا يذكرنا بما قاله إدوارد سعيد (Edward Said) في حديثه عن الهوية الوطنية:

"الهوية ليست معطى ثابتًا، بل هي عملية مقاومة مستمرة ضد النسيان."

هكذا يصبح الجد في النص ليس فقط رمزاً للعائلة، بل حارساً للهوية في وجه الاندثار حيث تترسخ ذكراه في أحفاده تماماً كما تنقل الأغاني التراثية من جيل إلى جيل.


الحنين كحالة فلسفية

النص يغوص في مشاعر الحنين والفقد لكنه ليس مجرد حنين عاطفي، بل يشبه الحنين الذي وصفه الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر (Martin Heidegger) حين قال:

"الحنين ليس مجرد استذكارٍ للماضي، بل هو تجربة وجدانية تحيلنا إلى وجودنا الأصيل."

بهذا المعنى، فإن النص لا يقتصر على رثاء الجد، بل يعيد طرح العلاقة بين الإنسان والهوية، الإنسان والزمن، الإنسان والمكان. فكل تفاصيل الجد – من سيكارته، إلى بندقيته، إلى الزيتونة – ليست مجرد عناصر وصفية، بل تجسد ارتباطاً عميقاً بالأرض والانتماء.


يمكننا أن نرى كيف أن نص "بستاتُ جدي" لا يقتصر على كونه نصاً تأملياً في الماضي، بل هو عمل أدبي معقد يربط بين الفرد والهوية، الحاضر والماضي، اللغة والتاريخ. إنه نص يقاوم النسيان، مستعيناً بجمالية الشعر، وعمق الرمزية، وقوة التراث ليبقى حاضراً في الذاكرة الأدبية.

وكما قال الشاعر الكبير بابلو نيرودا (Pablo Neruda):

"إذا مسحوا ذكرياتنا، فسيمحوها المطر، وإذا محوا أصواتنا، فستغني بها الريح."

وهكذا، يظل الجد في نص إنعام كمونة حاضراً كصوتٍ ممتد عبر الأجيال، كأغنية بستة لا تموت.

بالتالي، يمكن اعتبار النص نموذجاً متقدماً للقصيدة السردية التعبيرية التجديدية التي تستلهم التراث بأسلوب حداثي مما يجعله جديراً بالتأمل الأدبي العميق...


إنجاز فاطمة عبدالله


النص :

بسّتاتُ جدّي

تقص علينا زيتونةُ جدي ذاكرة وصاياه : أنة .. أنةَ ,معفرةٌ بأنفاس ريقه المتعفف، يحرث بساتين أحلامه بأمشاط ضلوعهِ لاصطياد فُتات رغيفهِ من مليء جبينه، وهو يمسح بصمات عَرَقهُ برماد غليون عمره، يعدّ جمراتِ الصبر بيد حبيبته الملتفعة نسغ أيامه، ثم ينفض الغبار عن ضفاف الفرات ببندقية صيد الحكمة المثكلة بطاحونة سنينه، ليغرس على اكتاف دجلة حنطة الحنين، يذر هشيم عموده الفقري سمادا لقوت هُويته، ويعتكف حفيظة أرضه بمخاض عبرات الماء، لطالما تزهر ملذات عشقه مواااويل لهفة بظلال رمش الوســـــن، فيهدهد أوجاع الليالي بمواويل الأشتياق : (دللول يا الوطن يابني دللول..عدوك بالمهد معلول*) , مُقبّلا رائحة التراب بجرأةِ شجن مبللة بدماء احفاده، حتى تغفو سكرات حنجرته بصوت الأرق , وليطفئ بعض من حواس ذكرياته يشــــــعل سيكارة همومه بذات حلم يحتـــــــــــرق، فتارة يهز أقحوانة رأسهِ بلَوعّة دخان قلبـــــــــــــهِ المتآسي ,وأُخرى يُلقّن فراسة المطر بحُسن التضرع، كي يغسل تجهم الذبول من وجوه السنابل، هكذا سلاسة أشجان جـدي صفصاف عتيـــــــــــق الحزن لا يصدأ لحاء فروعه ,كلما تلح عليه لوعات الرحيل, يدروش نوبات الوجع (بستات*) أُنس ,تربت على مشاعر الطين بزخات أمل، وحين تهز زيتونة جدي جذوع ذاكرتها الموشومة بحنة أيامه, يتساقط علينا رطب عمر محدودب الصبا، فتُكلمني غصات الإستفهام باكتواء جواب أجوف الصدوح، ألم يفترش جدي عباءتهُ سبط ولائم, ليُلقم الجوع من نخيل الفؤاد؟؟, ألم يشعل أكمام شبابه حطبا ليتوسد الدفء سكينة الضيوف باسهاب الكرم, حتى تهزأ أحضان خيمته من هزالة البرد!!. فيااا للذة وصايا جدي السائغة المذاق ,تزهر بكل ما أوتيت روحه من روافد.

* أقتباس من فلكلور تراثي

البستات: نوع من الأغنيات التراثية*

إنعام كمونة



United States of America

3/13/2025

Related Posts

Comments

Share Your ThoughtsBe the first to write a comment.
bottom of page